بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ(1)مَلِكِ النَّاسِ(2)إِلَهِ النَّاسِ(3)مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ(4)الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ(5)مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ(6)
البسـملة :
البسملة جزء من كلِّ سورة في القرآن الكريم، إلاّ سورة التوبة، كما أنَّ هناك سورة ورد فيها البسملة في موضعين وهي سورة النمل و لكنَّها نقلت عن لسان سليمان حيث قال: {وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ}(النمل/30).
متعلق الجار و المجرور :
قال علماء النحو إنَّ الجار والمجرور يفتقر إلى متعلَّق مشتق، فعلاً كان أو أسمَ فاعلٍ أو اسمَ مفعولٍ أو صفةً مشبّهة باسم الفاعل أو أفعل تفضيل أو مصدر، والسرّ في ذلك أنَّ الحرف ما هو إلا للربط، والرابط لا بدَّ أن يربط بين شيئين، فلو لم يكن هناك إلاّ شيءٌ واحدٌ، فلا ربط في البين و حيث لا ربط فلا مربوط.
و ربَّما يحذف المتعلَّق عند وجود قرينة على الحذف، كما في قولك "زيدٌ في الدار" أي مستقرٌّ.
ولكن هذا الأمر لا يتأتَّى في البسملة. فعندما يقال {بسم الله الرحمن الرحيم} فمن الطبيعي أن يُسأل:
باسم الله ماذا؟ في الجواب، قال الكثير من المفسرين:باسم الله أستعين، وهذا رغم شهرته لا دليل عليه، فلقائل أن يقول باسم الله أتوكَّل أو أستغفر أو...، فكلُّ تلك الأفعال تفتقر إلى قرينة غير موجودة، فما هو الحلّ إذاً؟
ارتباط البسملة بالسورة :
مادام أنَّ البسملة مرتبطة بالسورة، فلماذا نلتجأ إلى خارج السورة للبحث عن متعلق، فبالإمكان حصول المتعلَّق من نفس السورة وهو المتعيَّن.
فما هو المتعلَّق؟
إنَّ المتعلَّق للجار والمجرور في البسملة هو ما يأتي بعدها، وفي سورة الفاتحة هو {الحمد لله} أي أنّ جنس الحمد لله لأنّ الحامد والمحمود هو اسم الله، وهذا لا يختص بسورة الفاتحة بل هو جارٍ في جميع السور، فبإسم الله الرحمن الرحيم أقرأْ، وبإسم الله الرحمن الرحيم قُلْ أعوذ وهكذا، وإن كان نطاق الاسم في كلِّ سورة غير نطاقه في سورة أخرى.
ولكن سورة التوبة لا تبتدأ باسم الله لأنَّها تبدأ بالبراءة والنفي وهي تعني الابتعاد والتنفُّر والانزجار، ولا يكون ذلك باسم الله، فالعدم الصرف والشرّ المحض لا يكون مَظهراً من مظاهر الله تعالى، كيف وهو -جلَّ شأنه و تبارك اسمه- وجودٌ مطلقٌ وخيرٌ محضٌ وكمالٌ صرف.
يقول الإمام (قدس الله نفسه الزكية) :
(وليُعلم أن "بِسْمِ الله" من كل سورة، تتعلق على مذهب أهل العرفان بنفس السورة المبدوءة بها، ولا تكون متعلقه بـ "أسْتَعِينُ" أو أمثاله ويختلف معنى بسم الله في كل سورة لاختلاف متعلقة من سورة لأخرى من السور القرآنية -في اللفظ ومظهره- في المعنى. بل يختلف معناه على ضوء اختلاف الأفعال والأعمال التي تصدر من الإنسان والتي تبتدئ ببسم الله، لأنه يتعلق ويرتبط بذلك العمل الخاص والفعل المعين الذي ابتُدأ ببسم الله.)(الأربعون حديثاً).
الفرق بين سورة الناس والفلق :
سميت هذه السورة وسورة الفلق بالمعوذتين والمستفاد من الأحاديث أنَّ سورة الناس والفلق نزلتا معاً، ولعلَّ الفرق بينهما أنّه تعالى في في هذه السورة ينقل صورة أخرى عن الشرور تختلف عن الشرور التي وردت في سورة الفلق، ففيها يتحدّث القرآن عن الشر البارز والشر الخفي.
عندما يلجأ الإنسان إلى رب الفلق من شر ما خلق: الشر البارز. ومن شر غاسق إذا وقب، ومن شر النفاثات في العقد، ومن شر حاسد إذا حسد: شرور خفية. إذاً، فكان المطلوب أن نلجأ إلى الله من الشر البارز، ومن الشر الخفي.
أما هذه السورة فتعلّمنا أن نلجأ إلى الله من الشر الذي ليس بارزاً كل البروز، ولا هو خفي كل الخفاء. الوسواس الخناس، فالخنّاس الذي يختفي بعد ظهوره.
الموجود الذي يظهر، فيهمس في نفس الإنسان، يحرّضه، يخوّفه، يغريه، يهدده، ثم يختفي. ثم يظهر في حالة أخرى. هذا الشر الذي يتراوح بين الحضور والخفاء، نلجأ منه إلى الله.
وهنا نقف عند نقطة واضحة تربوية، تؤكد أنّ هذا الشر الذي يتراوح بين الوضوح والخفاء، نلجأ إلى الله بصفاته الثلاث: رب الناس، ملك الناس، إله الناس. بينما التجأنا من أربع شرور في سورة "الفلق"، ثلاثة منها خفية، وواحد منها واضح، التجأنا من أربع شرور إلى الله بصفة واحدة، فاستعذنا برب الفلق من كلها. ولكن هنا نلجأ بصفات ثلاث من الله من شر واحد. وهذا معناه أنّ هذا الشر أخطر من الشرور السابقة. لأنّ الشر هذا ليس واضحاً لكي نواجهه ولا خفياً لكي نتحذر، ونتجنب، ونأخذ التدابير المطلوبة. شر آني يختفي بعد الظهور، ويخلق للإنسان متاعب غير منتظرة.
الفرق بين الـرّبِّ والمـلك والإلـه :
الذي يراه صالحا للعوذ والاعتصام به أحد ثلاثة:
- إمّا ربٌّ يلي أمره ويدبره ويربيه يرجع إليه في حوائجه عامة.
- وإما ذو قوة وسلطان بالغة قدرته.
- وهناك سبب ثالث وهو الإله المعبود فإن لازم معبودية الإله والله سبحانه رب الناس وملك الناس وإله الناس كما جمع الصفات الثلاث لنفسه في قوله: {ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون}(الزمر/6).
لماذا التأكيد على الناس ؟
وعلى ضوء ما سبق نقول أنَّ الإنسان إذا أراد أن يبتعد عن الشيطان وينجو من شروره لا بد أن يتوجه إلى الله وذلك لأنَّ {الشيطان كان للإنسان عدواً مبيناً}(الإسراء/53) {إنه لكم عدو مبين}(يس/60)، فليس هو للحيوانات أو الجمادات أو النباتات عدو مبين فينبغي أن يقول: {أعوذ بالله من الشيطان الرجيم} فيستعيذ بالله لا بالعظيم ولا بالرحيم ولا بالقهّار.
ومن هنا نعرف السرّ في سورة الناس، فالوسواس الخنّاس بصدد الوسوسة في من يمتلك القلب وهو الإنسان، صدور الناس يتوجه إلى الناس ولا يتوجه إلى الأشياء الأخرى، فينبغي أن نعوذ برب الناس وهو الله لنتخلَّص من شرور الشيطان.
الوسـواس :
قوله تعالى: {من شر الوسواس الخناس}، قال في المجمع: الوسواس حديث النفس بما هو كالصوت الخفي انتهى، فهو مصدر كالوسوسة.
و الخنّاس صيغة مبالغة من الخنوس بمعنى الاختفاء بعد الظهور، قيل: سُمي الشيطان خنّاساً لأنه يوسوس للإنسان، فإذا ذكر الله تعالى رجع وتأخر، ثم إذا غفل عاد إلى وسوسته.
قوله تعالى: {الذي يوسوس في صدور الناس}، صفة للوسواس الخناس، والمراد بالصدور هي النفوس لأن متعلق الوسوسة قال تعالى: {و لكن تعمى القلوب التي في الصدور}(الحج/46).
قوله تعالى: {من الجِنّة والناس}، بيان للوسواس الخناس، وفيه إشارة إلى أن من الناس من هو ملحق بالشياطين وفي زمرتهم كما قال تعالى: {شياطين الإنس والجن
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ(1)مَلِكِ النَّاسِ(2)إِلَهِ النَّاسِ(3)مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ(4)الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ(5)مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ(6)
البسـملة :
البسملة جزء من كلِّ سورة في القرآن الكريم، إلاّ سورة التوبة، كما أنَّ هناك سورة ورد فيها البسملة في موضعين وهي سورة النمل و لكنَّها نقلت عن لسان سليمان حيث قال: {وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ}(النمل/30).
متعلق الجار و المجرور :
قال علماء النحو إنَّ الجار والمجرور يفتقر إلى متعلَّق مشتق، فعلاً كان أو أسمَ فاعلٍ أو اسمَ مفعولٍ أو صفةً مشبّهة باسم الفاعل أو أفعل تفضيل أو مصدر، والسرّ في ذلك أنَّ الحرف ما هو إلا للربط، والرابط لا بدَّ أن يربط بين شيئين، فلو لم يكن هناك إلاّ شيءٌ واحدٌ، فلا ربط في البين و حيث لا ربط فلا مربوط.
و ربَّما يحذف المتعلَّق عند وجود قرينة على الحذف، كما في قولك "زيدٌ في الدار" أي مستقرٌّ.
ولكن هذا الأمر لا يتأتَّى في البسملة. فعندما يقال {بسم الله الرحمن الرحيم} فمن الطبيعي أن يُسأل:
باسم الله ماذا؟ في الجواب، قال الكثير من المفسرين:باسم الله أستعين، وهذا رغم شهرته لا دليل عليه، فلقائل أن يقول باسم الله أتوكَّل أو أستغفر أو...، فكلُّ تلك الأفعال تفتقر إلى قرينة غير موجودة، فما هو الحلّ إذاً؟
ارتباط البسملة بالسورة :
مادام أنَّ البسملة مرتبطة بالسورة، فلماذا نلتجأ إلى خارج السورة للبحث عن متعلق، فبالإمكان حصول المتعلَّق من نفس السورة وهو المتعيَّن.
فما هو المتعلَّق؟
إنَّ المتعلَّق للجار والمجرور في البسملة هو ما يأتي بعدها، وفي سورة الفاتحة هو {الحمد لله} أي أنّ جنس الحمد لله لأنّ الحامد والمحمود هو اسم الله، وهذا لا يختص بسورة الفاتحة بل هو جارٍ في جميع السور، فبإسم الله الرحمن الرحيم أقرأْ، وبإسم الله الرحمن الرحيم قُلْ أعوذ وهكذا، وإن كان نطاق الاسم في كلِّ سورة غير نطاقه في سورة أخرى.
ولكن سورة التوبة لا تبتدأ باسم الله لأنَّها تبدأ بالبراءة والنفي وهي تعني الابتعاد والتنفُّر والانزجار، ولا يكون ذلك باسم الله، فالعدم الصرف والشرّ المحض لا يكون مَظهراً من مظاهر الله تعالى، كيف وهو -جلَّ شأنه و تبارك اسمه- وجودٌ مطلقٌ وخيرٌ محضٌ وكمالٌ صرف.
يقول الإمام (قدس الله نفسه الزكية) :
(وليُعلم أن "بِسْمِ الله" من كل سورة، تتعلق على مذهب أهل العرفان بنفس السورة المبدوءة بها، ولا تكون متعلقه بـ "أسْتَعِينُ" أو أمثاله ويختلف معنى بسم الله في كل سورة لاختلاف متعلقة من سورة لأخرى من السور القرآنية -في اللفظ ومظهره- في المعنى. بل يختلف معناه على ضوء اختلاف الأفعال والأعمال التي تصدر من الإنسان والتي تبتدئ ببسم الله، لأنه يتعلق ويرتبط بذلك العمل الخاص والفعل المعين الذي ابتُدأ ببسم الله.)(الأربعون حديثاً).
الفرق بين سورة الناس والفلق :
سميت هذه السورة وسورة الفلق بالمعوذتين والمستفاد من الأحاديث أنَّ سورة الناس والفلق نزلتا معاً، ولعلَّ الفرق بينهما أنّه تعالى في في هذه السورة ينقل صورة أخرى عن الشرور تختلف عن الشرور التي وردت في سورة الفلق، ففيها يتحدّث القرآن عن الشر البارز والشر الخفي.
عندما يلجأ الإنسان إلى رب الفلق من شر ما خلق: الشر البارز. ومن شر غاسق إذا وقب، ومن شر النفاثات في العقد، ومن شر حاسد إذا حسد: شرور خفية. إذاً، فكان المطلوب أن نلجأ إلى الله من الشر البارز، ومن الشر الخفي.
أما هذه السورة فتعلّمنا أن نلجأ إلى الله من الشر الذي ليس بارزاً كل البروز، ولا هو خفي كل الخفاء. الوسواس الخناس، فالخنّاس الذي يختفي بعد ظهوره.
الموجود الذي يظهر، فيهمس في نفس الإنسان، يحرّضه، يخوّفه، يغريه، يهدده، ثم يختفي. ثم يظهر في حالة أخرى. هذا الشر الذي يتراوح بين الحضور والخفاء، نلجأ منه إلى الله.
وهنا نقف عند نقطة واضحة تربوية، تؤكد أنّ هذا الشر الذي يتراوح بين الوضوح والخفاء، نلجأ إلى الله بصفاته الثلاث: رب الناس، ملك الناس، إله الناس. بينما التجأنا من أربع شرور في سورة "الفلق"، ثلاثة منها خفية، وواحد منها واضح، التجأنا من أربع شرور إلى الله بصفة واحدة، فاستعذنا برب الفلق من كلها. ولكن هنا نلجأ بصفات ثلاث من الله من شر واحد. وهذا معناه أنّ هذا الشر أخطر من الشرور السابقة. لأنّ الشر هذا ليس واضحاً لكي نواجهه ولا خفياً لكي نتحذر، ونتجنب، ونأخذ التدابير المطلوبة. شر آني يختفي بعد الظهور، ويخلق للإنسان متاعب غير منتظرة.
الفرق بين الـرّبِّ والمـلك والإلـه :
الذي يراه صالحا للعوذ والاعتصام به أحد ثلاثة:
- إمّا ربٌّ يلي أمره ويدبره ويربيه يرجع إليه في حوائجه عامة.
- وإما ذو قوة وسلطان بالغة قدرته.
- وهناك سبب ثالث وهو الإله المعبود فإن لازم معبودية الإله والله سبحانه رب الناس وملك الناس وإله الناس كما جمع الصفات الثلاث لنفسه في قوله: {ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون}(الزمر/6).
لماذا التأكيد على الناس ؟
وعلى ضوء ما سبق نقول أنَّ الإنسان إذا أراد أن يبتعد عن الشيطان وينجو من شروره لا بد أن يتوجه إلى الله وذلك لأنَّ {الشيطان كان للإنسان عدواً مبيناً}(الإسراء/53) {إنه لكم عدو مبين}(يس/60)، فليس هو للحيوانات أو الجمادات أو النباتات عدو مبين فينبغي أن يقول: {أعوذ بالله من الشيطان الرجيم} فيستعيذ بالله لا بالعظيم ولا بالرحيم ولا بالقهّار.
ومن هنا نعرف السرّ في سورة الناس، فالوسواس الخنّاس بصدد الوسوسة في من يمتلك القلب وهو الإنسان، صدور الناس يتوجه إلى الناس ولا يتوجه إلى الأشياء الأخرى، فينبغي أن نعوذ برب الناس وهو الله لنتخلَّص من شرور الشيطان.
الوسـواس :
قوله تعالى: {من شر الوسواس الخناس}، قال في المجمع: الوسواس حديث النفس بما هو كالصوت الخفي انتهى، فهو مصدر كالوسوسة.
و الخنّاس صيغة مبالغة من الخنوس بمعنى الاختفاء بعد الظهور، قيل: سُمي الشيطان خنّاساً لأنه يوسوس للإنسان، فإذا ذكر الله تعالى رجع وتأخر، ثم إذا غفل عاد إلى وسوسته.
قوله تعالى: {الذي يوسوس في صدور الناس}، صفة للوسواس الخناس، والمراد بالصدور هي النفوس لأن متعلق الوسوسة قال تعالى: {و لكن تعمى القلوب التي في الصدور}(الحج/46).
قوله تعالى: {من الجِنّة والناس}، بيان للوسواس الخناس، وفيه إشارة إلى أن من الناس من هو ملحق بالشياطين وفي زمرتهم كما قال تعالى: {شياطين الإنس والجن