[frame="7 10"]
{1} جامع المسانيد و المراسيل عن أبى هريرة رضِيَ الله عنه، وتمامه: (وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدَاً دَعَا جِبْرِيلَ فَيَقُولُ: إِني أُبْغِضُ فُلاَناً فَأَبْغِضْهُ، فَيَبْغِضُهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ فُلاَناً فَأَبْغِضُوهُ، فَيُبْغِضُونَهُ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْبغْضَاءُ فِي الأَرْضِ)، ورواه ابن أبى شيبة وأحمد و الطبرانى عن أبى أمامة رضِيَ الله عنه.
{2} سنن ابن ماجة و صحيح ابن حبان و صحيح البخارى و مسند الإمام أحمد عن أبى هريرة رضي الله عنه
http://www.fawzyabuzeid.com/table_books.php?name=%C5%D4%D1%C7%DE%C7%CA%20%C7%E1%C5%D3%D1%C7%C1-%20%CC1_%D82&id=16&cat=4
منقول من كتاب {إشراقات الإسراء- الجزء الأول}
اضغط هنا لتحميل الكتاب مجاناً
https://www.youtube.com/watch?v=O6IZtS3ie-c
[/frame]
إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا أَحَبَّ عَبْداً دَعَا جِبْرِيلَ فَقَالَ: إِني أُحِبُّ فُلاَنَاً فَأَحِبَّهُ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ فَيَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ فُلاَنَاً فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الأَرْضِ{1}
وأهل السماء هم الذين يريدون أن يسموا بإيمانهم، ويرتفعوا بأرواحهم؛ ليكونوا مقربين عند الله عزَّ وجلَّ.
يُحِبـُّــــهُ كلُّ قلبٍ مطهَّرٍ لِي صلَّى له الملائكُ تَسْجُد سِجُودُهَا لِى قَبْلاً
فكل الناس تحبُّه من أجل السرابيل الروحانية التي جمَّله بها الله عزَّ وجلَّ، ويراه أهل الوداد نور الهدى يتجلَّى؛ فيرون أن هذا نور من عند الله، نزل ليكشف لهم مراتب القرب من الله عزَّ وجلَّ، فيجالسوه، ويتوددوا إليه، لأنهم يرونه نوراً نازلاً من الله عزَّ وجلَّ.
وجمال النور ليس جمالاً جسمانياً، ولكنه روحاني كالذي كان مجملاً به سيدنا يوسف عليه السلام، وبعد هذا الجمال الروحاني والتشريف الرباني؛ يتفضل الله عزَّ وجلَّ عليه بالحكمة الروحانية، وسيدنا هارون عليه السلام كان يسمى هارون الحكيم؛ لأنه كان حكيماً في تصرفاته، حكيماً في أقواله وأفعاله وخصاله، وفي كل منازلاته: {يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} 269البقرة
وبعد أن يأخذ الحكمة، ويصبح رجلاً حكيماً في كل تصرفاته وسكناته وفعاله وخصاله، يقرِّبه الله إلي حضرته، ويناجيه، فيكون مفترشاً التراب، ولكنه يناجي الله عزَّ وجلَّ، مثل سيدنا موسى كليم الله: فقد كان يتكلم مع الله، ولا يشعر به من يجاوره
ولقد جعلتك في الفؤاد محدّثي وأبحت جسمي من أراد جلوسي
فالجسم منّى للخليل مؤانس وحبيبي قلبي في الفؤاد أنيسى
وقد سألوا سيدنا عليًّا رضِيَ الله عنه وقالوا له: كيف حالك مع الله؟، فقال: {عبدٌ إذا سكتُّ ؛ إفتتحنى بالكلام، وإذا دعوت ؛ لبَّاني، وإذا سألت؛ أعطاني.} حتى أنه وصل به الأمر ذات يوم أن قال لهم: {سلوني قبل أن تفقدوني، فو الله لو سألتموني عن شئ في السموات أو في الأرض، لأخبرتكم به}.
وهذا مقامٌ يكون صاحبه مع الله .. ما نطق به لسانه، وتحركت به شفتاه، بسرِّ قوله عزَّ وجلَّ فى الحديث القدسى: {أَنَا مَعَ عَبْدِي مَا ذَكَرَنِي وَتَحَرَّكَتْ بِي شَفَتَاهُ}{2}
وفيه يقول الإمام أبو العزائم رضِيَ الله عنه:
يا لساني ذكرت من تهواه ما تقول؟ فقال قلت الله
يا فؤادي شهدت من تهواه ما رأيت؟ فقال نور سناه
وقد يسأل بعضنا: هل أمثال هؤلاء الناس موجودون؟ نعم، موجودون في كل زمان ومكان، إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها، لكن الناس الذين شغلتهم الأمور المادية لا يرون هؤلاء الناس. فإذا أزاح الإنسان ستارة المادة، ورأى بعين البصيرة، يجدهم موجودين في كل زمان ومكان، إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها.
ولا تظنوا أن هؤلاء الناس موجودون في مصر فقط، ولكن هناك في أمريكا، وجنوب أفريقيا، والسنغال، والنيجر، وأوروبا، وروسيا، وفرنسا، فكل مكان في العالم - وصله نور الإسلام - يوجد فيه هذه الأصناف؛ لأن هذه حكمة الله، ونور الله المنتشر في الأكوان، ولا ينطفئ مدى الزمان أو المكان، بل يزيد.
شمس الحبيب الهادي أنوارهــــا في ازدياد
فكلمَّا تزيد ظلمة الكفر؛ تزيد أنوار الهداية لتواجه ظلمة الكفر. والآن نرى قوة الكفر، وحبائل المسيخ الدجال معهم، إلا أن نور الإيمان ساطع، ونور الإسلام ظاهر، لأن الأنوار الموجودة توسِّع القلوب، وتُمدُّها وتُهيِّئها، ولكنا لا نراهم، لأنهم يعملون من وراء حجاب الأسباب، وهم قائمون مدى الزمان والمكان، إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وعندما يصل الإنسان إلي مقام المكالمة يصل إلي حال يذكر الله فيه ليس باللسان فقط، ولكن بكل حقيقة من الحقائق الظاهرة والباطنة، فالعين تذكر، والأذن تذكر، والأنف يذكر، وكل شعرة تذكر، وكل ظفر يذكر، وكل حقيقة من الحقائق الظاهرة والباطنة تذكر الله، وليس بلسان الحال، ولكن بلسان فصيح. هنا تحولك محبة الله إلي مقام الخليل.
تخّللت موضع السّر منّى وبذا سُمِّي الخليل خليلاً
فالخليل هو من أصبحت محبَّة الله في كل ذرة من ذراته، وفي كل حقيقة من حقائقه؛ حتى أن رجلاً منهم كان نازلاً بغداد وآخر قذفه بحجر فجاء في رأسه، فنزل الدم من رأسه، وكتب: الله الله
بعد أن يرقى إلي هذا المقام الكريم - مقام الخلَّة - يكون خليلاً لله عزَّ وجلَّ ؛ فيعمِّر الله عزَّ وجلَّ حقائقه العالية والدانية بأنواره العالية الروحانية، ويلقى عليه الله عزَّ وجلَّ نَفْسَاً قدسيَّة من لدنه، تكون بمثابة الرفرف الأعلى الذي يعرج به إلي قاب قوسين أو أدنى، ولذلك فالأفراد الروحانيون المجاذيب العيسويون، نهايتهم سدرة المنتهى.
ولكن يطلع بعد ذلك الأفراد - الذين أفردهم الله عزَّ وجلَّ لحضرته، ولم يكن في قلوبهم ذرَّة من غيره ذكره سبحانه وتعالى ومشافهته، وهؤلاء يعطيهم الله روحاً من عنده خاصة بهم، يعرجون عليها إلي مقامات السرِّ التي لا يطلع عليها ملك مقرَّب، ولا نبيٌّ مرسل، وإنما كما قال عزَّ وجلَّ: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} 10النجم
هذه باختصار مراتب السير والسلوك إلي الله عزَّ وجلَّ .
والعبد الذي يرتقي في هذه المراتب تعرض عليه الجنة، ومنازل القرب، وخزائن فضل الله، وخزائن كرم الله، وجمالات الروحانيين من ملائكة الله، فإذا كان يريد شيئاً من هذه الأشياء يقف عندها، لكن الرجل المفرد لله بالقصد، كلما أراد أن يقف عند حقيقة نادته هواتف الحقيقة: {لا تقف، إنما نحن فتنة، والمطلوب أمامك}
وفي هذا رُوىَ عن الشيخ أبي اليزيد البسطامي ما رآه في المعراج، وقد روى ذلك أحد تلاميذه: أنه خرج وراءه بعد صلاة العشاء - دون أن يدرى به - فدخل خلوته، ووقف على قدم واحدة يناجى الله عزَّ وجلَّ - حتى قرب مطلع الفجر - ثم صلَّى، وأكمـل ركعتين خفيفتين، فالتفت فرآه، فقال له: منذ متى أنت هنا؟ قال: منذ صلاة العشاء، قال: وماذا تريد؟. قال : أريد أن تبين لي شيئاً مما رأيته في هذه الليلة، فقال له: لن تستطيع تحمل ذلك، فأخذ يتوسَّل إليه، فقال له: سأظهر لك شيئاً تستطيع تحمله
لمَّا وقفت بين يديه عزَّ وجلَّ: أخذني وطاف بي عوالم الملك والملكوت كلها، حتى وصلت إلي سدرة المنتهى، وكلما وصلت إلي عالم من العوالم، قلت له : مرادي غير هذا، ثم كاشفني بعوالم السماوات، وأنا أقول: مرادي غير هذا، ثم أدخلني الجنَّة وكاشفني بما أعدَّه فيها للمقربين والصديقين والشهداء والصالحين، وأنا أقول له: مرادي غير هذا، ثم كاشفني بعوالم اللوح والكرسي والعرش؛ كل هذا وأنا أقول له: مرادي غير هذا
فأوقفني بين يديه، وقال لي: ماذا تريد؟، فقلت: أريد ألا أريد، فقال: أنت عبدي حقاً، وأنت وليى صدقاً. لماذا؟ لأنه لم يلفته شئ - من زهرة الدنيا، ولا من أنوار الآخرة، ولا من الجمالات الروحانية - عن مطلبه الأعلى، وهو الوصول والاتصال بالله عزَّ وجلَّ . والوصول ليس بالمفهوم الحسي، ولكن كما قال الإمام أبو العزائم رضِيَ الله عنه:
بلا كمّ ولا كيف ولكن بأنوار تعالت معنوية
لأن هذه أشياء فوق العقول، وفوق الأرواح، بفيض من فضل الكريم الفتاح عزَّ وجلَّ على عباده المؤمنين. وقد أحببت أن ألفت نظركم إلي هذه الفصوص من الحكمة الإلهية؛ التي لو خرج منها فصٌ واحدٌ إلي هذه الدنيا؛ لكفى كلَّ العلماء والحكماء إلي ما شاء الله عزَّ وجلَّ، لكن لهذه الحكم الروحانية أنوار قدسيَّة، لا تفاض إلا لمن أخلوا قلوبهم عن الشهوات والحظوظ والأهواء، وكانوا خالصين لله عزَّ وجلَّ:
عبيد أخلصوا لله ذاتــــاً وقاموا صــادقين بحُسن نيَّة
فلم تشغلهم دنيا وأخرى عن الإخلاص للذات العليَّة
وأهل السماء هم الذين يريدون أن يسموا بإيمانهم، ويرتفعوا بأرواحهم؛ ليكونوا مقربين عند الله عزَّ وجلَّ.
يُحِبـُّــــهُ كلُّ قلبٍ مطهَّرٍ لِي صلَّى له الملائكُ تَسْجُد سِجُودُهَا لِى قَبْلاً
فكل الناس تحبُّه من أجل السرابيل الروحانية التي جمَّله بها الله عزَّ وجلَّ، ويراه أهل الوداد نور الهدى يتجلَّى؛ فيرون أن هذا نور من عند الله، نزل ليكشف لهم مراتب القرب من الله عزَّ وجلَّ، فيجالسوه، ويتوددوا إليه، لأنهم يرونه نوراً نازلاً من الله عزَّ وجلَّ.
وجمال النور ليس جمالاً جسمانياً، ولكنه روحاني كالذي كان مجملاً به سيدنا يوسف عليه السلام، وبعد هذا الجمال الروحاني والتشريف الرباني؛ يتفضل الله عزَّ وجلَّ عليه بالحكمة الروحانية، وسيدنا هارون عليه السلام كان يسمى هارون الحكيم؛ لأنه كان حكيماً في تصرفاته، حكيماً في أقواله وأفعاله وخصاله، وفي كل منازلاته: {يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} 269البقرة
وبعد أن يأخذ الحكمة، ويصبح رجلاً حكيماً في كل تصرفاته وسكناته وفعاله وخصاله، يقرِّبه الله إلي حضرته، ويناجيه، فيكون مفترشاً التراب، ولكنه يناجي الله عزَّ وجلَّ، مثل سيدنا موسى كليم الله: فقد كان يتكلم مع الله، ولا يشعر به من يجاوره
ولقد جعلتك في الفؤاد محدّثي وأبحت جسمي من أراد جلوسي
فالجسم منّى للخليل مؤانس وحبيبي قلبي في الفؤاد أنيسى
وقد سألوا سيدنا عليًّا رضِيَ الله عنه وقالوا له: كيف حالك مع الله؟، فقال: {عبدٌ إذا سكتُّ ؛ إفتتحنى بالكلام، وإذا دعوت ؛ لبَّاني، وإذا سألت؛ أعطاني.} حتى أنه وصل به الأمر ذات يوم أن قال لهم: {سلوني قبل أن تفقدوني، فو الله لو سألتموني عن شئ في السموات أو في الأرض، لأخبرتكم به}.
وهذا مقامٌ يكون صاحبه مع الله .. ما نطق به لسانه، وتحركت به شفتاه، بسرِّ قوله عزَّ وجلَّ فى الحديث القدسى: {أَنَا مَعَ عَبْدِي مَا ذَكَرَنِي وَتَحَرَّكَتْ بِي شَفَتَاهُ}{2}
وفيه يقول الإمام أبو العزائم رضِيَ الله عنه:
يا لساني ذكرت من تهواه ما تقول؟ فقال قلت الله
يا فؤادي شهدت من تهواه ما رأيت؟ فقال نور سناه
وقد يسأل بعضنا: هل أمثال هؤلاء الناس موجودون؟ نعم، موجودون في كل زمان ومكان، إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها، لكن الناس الذين شغلتهم الأمور المادية لا يرون هؤلاء الناس. فإذا أزاح الإنسان ستارة المادة، ورأى بعين البصيرة، يجدهم موجودين في كل زمان ومكان، إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها.
ولا تظنوا أن هؤلاء الناس موجودون في مصر فقط، ولكن هناك في أمريكا، وجنوب أفريقيا، والسنغال، والنيجر، وأوروبا، وروسيا، وفرنسا، فكل مكان في العالم - وصله نور الإسلام - يوجد فيه هذه الأصناف؛ لأن هذه حكمة الله، ونور الله المنتشر في الأكوان، ولا ينطفئ مدى الزمان أو المكان، بل يزيد.
شمس الحبيب الهادي أنوارهــــا في ازدياد
فكلمَّا تزيد ظلمة الكفر؛ تزيد أنوار الهداية لتواجه ظلمة الكفر. والآن نرى قوة الكفر، وحبائل المسيخ الدجال معهم، إلا أن نور الإيمان ساطع، ونور الإسلام ظاهر، لأن الأنوار الموجودة توسِّع القلوب، وتُمدُّها وتُهيِّئها، ولكنا لا نراهم، لأنهم يعملون من وراء حجاب الأسباب، وهم قائمون مدى الزمان والمكان، إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وعندما يصل الإنسان إلي مقام المكالمة يصل إلي حال يذكر الله فيه ليس باللسان فقط، ولكن بكل حقيقة من الحقائق الظاهرة والباطنة، فالعين تذكر، والأذن تذكر، والأنف يذكر، وكل شعرة تذكر، وكل ظفر يذكر، وكل حقيقة من الحقائق الظاهرة والباطنة تذكر الله، وليس بلسان الحال، ولكن بلسان فصيح. هنا تحولك محبة الله إلي مقام الخليل.
تخّللت موضع السّر منّى وبذا سُمِّي الخليل خليلاً
فالخليل هو من أصبحت محبَّة الله في كل ذرة من ذراته، وفي كل حقيقة من حقائقه؛ حتى أن رجلاً منهم كان نازلاً بغداد وآخر قذفه بحجر فجاء في رأسه، فنزل الدم من رأسه، وكتب: الله الله
بعد أن يرقى إلي هذا المقام الكريم - مقام الخلَّة - يكون خليلاً لله عزَّ وجلَّ ؛ فيعمِّر الله عزَّ وجلَّ حقائقه العالية والدانية بأنواره العالية الروحانية، ويلقى عليه الله عزَّ وجلَّ نَفْسَاً قدسيَّة من لدنه، تكون بمثابة الرفرف الأعلى الذي يعرج به إلي قاب قوسين أو أدنى، ولذلك فالأفراد الروحانيون المجاذيب العيسويون، نهايتهم سدرة المنتهى.
ولكن يطلع بعد ذلك الأفراد - الذين أفردهم الله عزَّ وجلَّ لحضرته، ولم يكن في قلوبهم ذرَّة من غيره ذكره سبحانه وتعالى ومشافهته، وهؤلاء يعطيهم الله روحاً من عنده خاصة بهم، يعرجون عليها إلي مقامات السرِّ التي لا يطلع عليها ملك مقرَّب، ولا نبيٌّ مرسل، وإنما كما قال عزَّ وجلَّ: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} 10النجم
هذه باختصار مراتب السير والسلوك إلي الله عزَّ وجلَّ .
والعبد الذي يرتقي في هذه المراتب تعرض عليه الجنة، ومنازل القرب، وخزائن فضل الله، وخزائن كرم الله، وجمالات الروحانيين من ملائكة الله، فإذا كان يريد شيئاً من هذه الأشياء يقف عندها، لكن الرجل المفرد لله بالقصد، كلما أراد أن يقف عند حقيقة نادته هواتف الحقيقة: {لا تقف، إنما نحن فتنة، والمطلوب أمامك}
وفي هذا رُوىَ عن الشيخ أبي اليزيد البسطامي ما رآه في المعراج، وقد روى ذلك أحد تلاميذه: أنه خرج وراءه بعد صلاة العشاء - دون أن يدرى به - فدخل خلوته، ووقف على قدم واحدة يناجى الله عزَّ وجلَّ - حتى قرب مطلع الفجر - ثم صلَّى، وأكمـل ركعتين خفيفتين، فالتفت فرآه، فقال له: منذ متى أنت هنا؟ قال: منذ صلاة العشاء، قال: وماذا تريد؟. قال : أريد أن تبين لي شيئاً مما رأيته في هذه الليلة، فقال له: لن تستطيع تحمل ذلك، فأخذ يتوسَّل إليه، فقال له: سأظهر لك شيئاً تستطيع تحمله
لمَّا وقفت بين يديه عزَّ وجلَّ: أخذني وطاف بي عوالم الملك والملكوت كلها، حتى وصلت إلي سدرة المنتهى، وكلما وصلت إلي عالم من العوالم، قلت له : مرادي غير هذا، ثم كاشفني بعوالم السماوات، وأنا أقول: مرادي غير هذا، ثم أدخلني الجنَّة وكاشفني بما أعدَّه فيها للمقربين والصديقين والشهداء والصالحين، وأنا أقول له: مرادي غير هذا، ثم كاشفني بعوالم اللوح والكرسي والعرش؛ كل هذا وأنا أقول له: مرادي غير هذا
فأوقفني بين يديه، وقال لي: ماذا تريد؟، فقلت: أريد ألا أريد، فقال: أنت عبدي حقاً، وأنت وليى صدقاً. لماذا؟ لأنه لم يلفته شئ - من زهرة الدنيا، ولا من أنوار الآخرة، ولا من الجمالات الروحانية - عن مطلبه الأعلى، وهو الوصول والاتصال بالله عزَّ وجلَّ . والوصول ليس بالمفهوم الحسي، ولكن كما قال الإمام أبو العزائم رضِيَ الله عنه:
بلا كمّ ولا كيف ولكن بأنوار تعالت معنوية
لأن هذه أشياء فوق العقول، وفوق الأرواح، بفيض من فضل الكريم الفتاح عزَّ وجلَّ على عباده المؤمنين. وقد أحببت أن ألفت نظركم إلي هذه الفصوص من الحكمة الإلهية؛ التي لو خرج منها فصٌ واحدٌ إلي هذه الدنيا؛ لكفى كلَّ العلماء والحكماء إلي ما شاء الله عزَّ وجلَّ، لكن لهذه الحكم الروحانية أنوار قدسيَّة، لا تفاض إلا لمن أخلوا قلوبهم عن الشهوات والحظوظ والأهواء، وكانوا خالصين لله عزَّ وجلَّ:
عبيد أخلصوا لله ذاتــــاً وقاموا صــادقين بحُسن نيَّة
فلم تشغلهم دنيا وأخرى عن الإخلاص للذات العليَّة
{1} جامع المسانيد و المراسيل عن أبى هريرة رضِيَ الله عنه، وتمامه: (وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدَاً دَعَا جِبْرِيلَ فَيَقُولُ: إِني أُبْغِضُ فُلاَناً فَأَبْغِضْهُ، فَيَبْغِضُهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ فُلاَناً فَأَبْغِضُوهُ، فَيُبْغِضُونَهُ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْبغْضَاءُ فِي الأَرْضِ)، ورواه ابن أبى شيبة وأحمد و الطبرانى عن أبى أمامة رضِيَ الله عنه.
{2} سنن ابن ماجة و صحيح ابن حبان و صحيح البخارى و مسند الإمام أحمد عن أبى هريرة رضي الله عنه
http://www.fawzyabuzeid.com/table_books.php?name=%C5%D4%D1%C7%DE%C7%CA%20%C7%E1%C5%D3%D1%C7%C1-%20%CC1_%D82&id=16&cat=4
منقول من كتاب {إشراقات الإسراء- الجزء الأول}
اضغط هنا لتحميل الكتاب مجاناً
https://www.youtube.com/watch?v=O6IZtS3ie-c